حين أزاح اللورد "كارتر" الستار عن كشفه الأثري المهم، وهو مقبرة الملك الفرعوني "توت عنخ آمون"، لم يكن يعلم ماهية الزيت الأسود اللون الذي وجد ضمن مقتنيات هذا الملك الشاب، والذي عرف فيما بعد بزيت "حبة البركة" أو "الحبة السوداء".
عرف المصريون القدماء نبات حبة البركة، ولكن لم يعرف على وجه التحديد كيف استخدموه في حياتهم اليومية، وكانوا يعرفونها باسم "شنتت"، إلا أن اكتشاف زيت هذا النبات ضمن مقتنيات أحد ملوكهم يدل بصورة قاطعة على مدى أهمية هذا النبات في هذه الفترة.
ويشير العهد القديم في سفر "أشعياء" إلى أهمية حبة البركة والطرق المتبعة حينئذ للحصول على الزيت، وقد عرف العبرانيون النبات الذي كان ينمو بصورة واسعة في مصر وسوريا، باسم "كيتساه".
وكتب "ديسكوريدس" - وهو طبيب يوناني شهير عاش في القرن الأول الميلادي - أن "بذور" حبة البركة كانت تستخدم في علاج الصداع واحتقان الأنف وآلام الأسنان، بالإضافة إلى استخدامها لطارد الديدان، كذلك استخدمت كمدر للبول واللبن.
أما في التراث الإسلامي، فقد ورد حديث في صحيح البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - أنه قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام، قلت: وما السام؟ قال الموت".
وقد كتب البيروني وهو من علماء المسلمين (1048م – 973هـ) - عن الأصل الهندي لهذا النبات ومدى قيمته الغذائية والصحية، وتحتل حبة البركة في الطب اليوناني/العربي- الذي وضع أسسه "هيبوقراتس" و"جالن" و"ابن سينا"- مكانة كبيرة؛ حيث كانت لها أهمية كبيرة في علاج أمراض الكبد والجهاز الهضمي. وفي كتابه الشهير "القانون في الطب"، يرى ابن سينا أن حبة البركة يمكن أن تحفز الطاقة وتساعد على التغلب على الإرهاق والإجهاد.
ما هي حبة البركة؟:
هي عشب نباتي ينمو سنويًّا في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ولكنه يزرع في مناطق عديدة أخرى في شمال أفريقيا وآسيا والجزيرة العربية.
والاسم العلمي للنبات هو Nigeria Sativa، وهو نبات قصير القامة لا يزيد طول قامته عن 3 مم، وهو ينتمي لعائلة الشمر واليانسون، حتى إنه أحيانًا يتم الخلط بينه وبين نبات الشمر، وتحتوي ثمرة النبات على كبسولة بداخلها بذور بيضاء ثلاثية الأبعاد والتي سرعان ما تتحول إلي اللون الأسود عند تعرضها للهواء.
وللحبة السوداء أسماء أخرى، مثل: الكراوية السوداء، أوالكمون الأسود، وكذلك يسمونها في الهند "بالكالونجي الأسود"، وفي بلاد فارس القديمة عرفت باسم "شونياز".
أكثر من 150 بحثًا، تم نشره مؤخرًا في الدوريات العلمية المختلفة عن فوائد استخدام حبة البركة، والتي تؤكد على الفوائد العديدة التي ذكرها القدماء عن هذا النبات.
ويأتي معظم هذه الأبحاث من أوروبا وتحديدًا النمسا وألمانيا، والتي تأتي في مقدمة الدول الداعية لإحياء طب الأعشاب كطب بديل، وهكذا ظهرت حبة البركة في مستحضرات طبية متنوعة بين أقراص وكبسولات وأشربة وزيوت في العديد من الدول الأوربية، وكذلك الولايات المتحدة، هذا بالإضافة إلى بلدان العالم العربي والإسلامي.
طريقة عملها
عكف العلماء منذ زمن على معرفة كيفية عمل الحبة السوداء وخاصة دورها في عملية التئام الجروح، والذي استدعى معرفة مكونات البذور، والتي وُجِد أنها تحتوي على العديد من الفيتامينات والمعادن والبروتينيات النباتية، بالإضافة إلى بعض الأحماض الدهنية غير المتشبعة.
الجدير بالذكر، أن كثيرًا من الزيوت النباتية ومنها زيت حبة البركة تحتوي على العديد من الأحماض الدهنية الأساسية والمهمة لصحة الجلد والشعر والأغشية المخاطية، وكذلك عملية ضبط مستوى الدم وإنتاج الهورمونات بالجسم وغيرها من الوظائف الحيوية المهمة.
وبالإضافة إلى المكونات الطبيعية السابقة، تحتوي حبة البركة على مادة "النيجيللون" "Nigellone"، وهي مادة بلّورية تم استخلاصها لأول مرة في عام 1929، والتي استخدمت منذ ذلك الحين باعتبارها المادة الفعالة الموجودة بالنبات. ويعد الـ Nigellone هو أحد مضادات الأكسدة الطبيعية مثل فيتامين "ج" و"أ" وكذلك الجلوتاثيون، والتي تلعب دوراً أساسيًّا في حماية الجسم ضد مخاطر ما يسمي بالشوارد الحرة "Free radicals". وهناك العديد من الأبحاث التي نشرت مؤخراً عن دور الحماية الذي يلعبه الـ Nigellone في حماية الجسم من مخاطر العديد من المواد الغريبة "Xenobiotics".
استخدامات الحبة السوداء:
(1) مصدر للطاقة: حيث وجد أن حبة البركة تساعد على الاحتفاظ بحرارة الجسم الطبيعية، خاصة وأن طبيعة الغذاء الغربية والمسيطرة الآن على العادات الغذائية في بلدان العالم المختلفة، مثل: تناول الأيس كريم والزبادي والبيتزا والجبن والهامبرجر وغيرها، تستهلك الكثير من طاقتنا الحيوية؛ مما يؤدي لظهور الكثير من الأمراض.
(2) الرضاعة: تساعد حبة البركة على إدرار اللبن، كذلك تعد مصدرًا غذائيًّا مهمًّا للأم والطفل على السواء.
(3) المناعة: أثبتت بعض الدراسات التأثير المُحفِّز لحبة البركة على جهاز المناعة؛ مما يفسر معنى"شفاء من كل داء".
(4) الطفل: تحتوي بذور حبة البركة على حمض الأرجينين، وهو حمض مهم وضروري لنمو الطفل.